يقول شيخ الإسلام رحمه الله مبيناً حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه، بل هو على الكفاية، كما دل عليه القرآن" وذلك في قول الله تعالى: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))[آل عمران:104]، "ولما كان الجهاد من تمام ذلك، كان الجهاد أيضاً كذلك".
والمنكر الأكبر في الوجود هو الشرك، والمعروف الأكبر هو التوحيد، فإذا لم يدخل أهل الشرك في دين الله تبارك وتعالى ويدعوا ما هم عليه من الشرك إلا بالقتال والجهاد، كان الجهاد -الذي يمكن به إزالة هذا المنكر الأكبر وتحقيق ذلك المعروف الأكبر- من تمام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل ديننا كله معروف أو أمر بمعروف، ولذلك كان {ذروة سنامه الجهاد} والغاية منه قلع الفتنة من جذورها، قال تعالى: ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ))[الأنفال:39]، فيكون دين العبد كله لله، لا للشيطان ولا للشهوات ولا للكبراء ولا للزعماء، ولا لكل من صد عن سبيل الله من الطواغيت.
يقول رحمه الله: "فإذا لم يقم به من يقوم بواجبه، أثم كل قادر بحسب قدرته"، والمقصود بذلك: هو أن إزالة عين المنكر واجبة على الكفاية، فمتى أزيلت عين المنكر، سقطت الفرضية، وسقط الوجوب عن الباقين، أما الإنكار في ذاته فهو على درجات، الدنيا منها هي الإنكار بالقلب، ولا تسقط عن المؤمن أبداً، وهذا ما سيوضحه رحمه الله.